الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.تفسير الآية رقم (44): .مناسبة الآية لما قبلها: ولما كان التقدير: إذا علمت ذلك فخفف عنك بعض ما أنت فيه، فإنك لا تقدر على إسماعهم ولا هدايتهم لأن الله تعالى أراد ما هم عليه منهم لاستحقاقهم ذلك لظلمهم أنفسهم، علله بقوله: {إن الله} أي المحيط بجميع الكمال: {لا يظلم الناس شيئًا} وإن كان هو الذي جبلهم على الشر: {ولكن الناس} أي لما عندهم من شدة الاضطراب والتقلب: {أنفسهم} أي خاصة: {يظلمون} بحملهم لها على الشر وصرف قواهم فيه باختيارهم مع زجرهم عن ذلك وحجبهم عما جبلوا عليه وإن كان الكل بيده سبحانه ولا يكون إلا بخلقه. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال السمرقندي: يقول: لا ينقص من أجور الناس شيئًا ولا يحمل عليهم من أوزار غيرهم،: {ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، يعني: يضرون أنفسهم بتركهم الحق. قرأ حمزة والكسائي: {ولكن الناس} بكسر النون مع التخفيف وضمّ السين، وقرأ الباقون: {ولكن الناس} بالنصب والتشديد ونصب السين. اهـ. .قال القرطبي: لما ذكر أهل الشقاء ذكر أنه لم يظلمهم، وأن تقدير الشقاء عليهم وسلب سمع القلب وبَصرَه ليس ظلمًا منه؛ لأنه تصرّف في ملكه بما شاء، وهو في جميع أفعاله عادل. {ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالكفر والمعصية ومخالفة أمر خالقهم. وقرأ حمزة والكسائي: {ولكِنْ} مخففًا {الناس} رفعا. قال النحاس: زعم جماعة من النحويين منهم الفرّاء أن العرب إذا قالت ولكن بالواو آثرت التشديد، وإذا حذفوا الواو آثرت التخفيف، واعتلّ في ذلك فقال: لأنها إذا كانت بغير واو أشبهت بل فخففوها ليكون ما بعدها كما بعد بل، وإذا جاؤوا بالواو خالفت بل فشدّدوها ونصبوا بها، لأنها إنّ زيدت عليها لام وكاف وصُيّرت حرفًا واحدًا؛ وأنشد: فجاء باللام لأنها إنّ. اهـ. .قال أبو حيان: واحتمل هذا النفي للظلم أنْ يكون في الدنيا أي: لا يظلمهم شيئًا من مصالحهم، واحتمل أن يكون في الآخرة وأن ما يلحقهم من العقاب هو عدل منه، لأنهم هم الذين تسببوا فيه باكتساب ذنوبهم كما قدّر تعالى عليهم لا يسأل عما يفعل. وتقدم خلاف القراء في، ولكنّ الناس من تشديد النون ونصب الناس وتخفيفها والرفع. اهـ. .قال أبو السعود: .قال الألوسي: وجوز بعضهم كون: {أَنفُسِهِمْ} تأكيدًا للناس والمفعول حينئذ محذوف فيكون بمنزلة ضنير الفصل في قوله تعالى: {وَمَا ظلمناهم ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين} [الزخرف: 76] في قصر الظالمية عليهم، والتعبير عن فعلهم ذلك بالنقص مع كونه تفويتًا بالكلية لمراعاة جانب قرينه، وصيغة المضارع للاستمرار نفيًا وإثباتًا أما الثاني فظاهر وأما الأول فلأن حرف النفي إذا دخل على المضارع يفيد بحسب المقام استمرار النفي لا نفي الاستمرار كما مر غير مرة. وقيل: المعنى إن الله لا يظلم الناس بتعذيبهم يوم القيامة شيئًا من الظلم ولكن الناس أنفسهم يظلمون ظلمًا مستمرًا فإن مباشرتهم المستمرة للسيئات الموجبة للتعذيب عين ظلمهم لأنفسهم فالظلم على معناه المشهور، و: {شَيْئًا} مفعول مطلق والمضارع المنفى للاستقبال والمثبت للاستمرار، ومساق الآية الكريمة على الأول لالزام الحجة وعلى الثاني للوعيد وعلى الوجهين هي تذييل لما سبق، وجعلها على الأول تذييلًا لجميع التكاليف والأقاصيص المذكورة من أول السورة وإن كان متجهًا خلاف الظاهر لاسيما وما بعد ليس ابتداء مشروع في قصة آخرين. وقيل: معنى الآية إن الله لا يظلم الناس شيئًا بسلب حواسهم وعقولهم إن سلبها لأنه تصرف في حالص ملكه ولكن الناس أنفسهم يظلمون بإفساد ذلك وصرفه لما لا يليق، وهي جواب لسؤال نشأ من الآية السابقة والظلم فيها على ظاهره أيضًا. واستدل بها على أن للعبد كسبًا وليس مسلوب الاختيار بالكلية كما ذهب إليه الجبرية والمختار عند كثير من المحققين أن نفي ظلم الناس عنه تعالى شأنه لأنه سبحانه جواد حكيم يفيض على القوابل حسب استعدادها الأزلي الثابت في العلم فما من كمال أو نقص في العبد الا هو كماله أو نقصه الذي اقتضاه استداده كما يرشد إلى ذلك قوله جل وعلا: {أعطى كُلَّ شَئ خَلْقَهُ} [طه: 50] وقوله سبحانه: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] وأن اثبات ظلم الناس لأنفسهم باعتبار اقتضاء استعدادهم الثابت في العلم الأزلي ما أفيض عليهم مما استحقوا به التعذيب. وقد ذكروا أن هذا الاستعداد غير مجعول ضرورة أن الجعل مسبوق بتعلق القدرة المسبوق بتعلق الإرادة المسبوق بتعلق العلم والاستعداد ليس كذلك لأنه لم يثبت العلم إلا وهو متعلق به بل بسائر الأشياء أيضًا لأن التعلق بالمعلوم من ضروريات العلم والتعلق بما لا ثبوت له أصلًا مما لا يعقل ضرورة أنه نسبة وهي لا تتحقق بدون ثبوت الطرفين، ولا يرد على هذا أنه يلزم منه استغناء الموجودات عن المؤثر لأنا نقول: إن كان المراد استغناءها عن ذلك نظرًا إلى الوجود العلمي القديم فالأمر كذلك ولا محذور فيه وان كان المراد استغناءها عن ذلك نظرًا إلى وجودها الخارجي الحادث فلا نسلم اللزوم وتحقيق ذلك بما له وما عليه في محله، وفي الآية على هذا تنبيه على أن كون أولئك المكذبين كما وصفوا إنما نشأ عن اقتضاء استعدادهم له ولذلك ذموا به لا عن محض تقديره عليهم من غير أن يكون منهم طلب له باستعدادهم ولعل تسمية التصرف على خلاف ما يقتضيه الاستعداد لو كان ظلمًا من باب المجاز وتنزيل المقتضى منزلة الملك وإلا فحقيقة الظلم مما لا يصح إطلاقه على تصرف من تصرفاته تعالى كيف كان إذ لا ملك حقيقة لأحد سواه في شيء من الأشياء، ووضع الظاهر في الجملة الاستداركية موضع الضمير لزيادة التعيين والتقرير. وقرأ حمزة والكسائي بتخفيف: {لَكِنِ} ورفع: {الناس}. اهـ. .قال ابن عاشور: تذييل، وشمل عموم الناس المشركين الذين يستمعون ولا يهتدون وينظرون ولا يعتبرون. والمقصود من هذا التذييل التعريض بالوعيد بأنْ سينالهم ما نال جميع الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب رسل الله. وعموم: {الناس} الأوللِ على بابه وعموم: {الناس} الثاني مراد به خصوص الناس الذين ظلَموا أنفسهم بقرينة الخبر. وإنما حسن الإتيان في جانب هؤلاء بصيغة العموم تنزيلًا للكثرة منزلة الإحاطة لأن ذلك غالب حال الناس في ذلك الوقت. وهذا الاستدراك أشعر بكلام مطوي بعد نفي الظلم عن الله، وهو أن الله لا يظلم الناس بعقابه من لم يستوجب العقاب ولكن الناس يظلمون فيستحقون العقاب، فصار المعنى أن الله لا يظلم الناس بالعقاب ولكنهم يظلمون أنفسهم بالاعتداء على ما أراد منهم فيعاقبهم عدلًا لأنهم ظلَموا فاستوجبوا العقاب. وتقديم المفعول على عامله لإفادة تغليطهم بأنهم ما جنوا بكفرهم إلا على أنفسهم وما ظلموا الله ولا رسله فما أضروا بعملهم إلا أنفسهم. وقرأ الجمهور بتشديد نون: {لكنّ} ونصب: {الناس}. وقرأ حمزة والكسائي وخلف بتخفيف النون ورفع: {الناس}. اهـ. .قال الشعراوي:
|